القس رأفت رؤوف الجاولي
يساعد استثمار الوقت على الاستمرارية في العمل والتخلص من التردد والحيرة؛ فعند القلق بشأن القرارات المتخذة، من حيث كونها صحيحة أم لا، يكون هذا مضيعة للوقت. وعند عدم تقدير وفهم أهمية إدارة الوقت، قد تبقى هذه الأهداف على الهامش إلى أجل غير مسمى.
لذا نتأمل في هذا الموضوع الهام “الوقت وكنيسة اليوم” من خلال النقاط التالية:
أولًا: الحاجة المُلحة لاستثمار الوقت:
للتعرف على قيمة الوقت، يجب علينا احترامه والالتزام به. ولكي تدرك قيمة السنة الواحدة، اسأل طالبًا فشل في الامتحان فاضطر إلى إعادة السنة الدراسية. ولمعرفة قيمة الشهر الواحد، اسأل الأم التي أنجبت طفلًا قبل موعده بشهر وستعرف كم المعاناة التي عانتها. ولكي تدرك قيمة الدقيقة، اسأل شخص فاته القطار. وللتعرف على قيمة الثانية، اسأل شخصًا تجنب وقوع حادث.
فهل تستثمر كنيسة اليوم الوقت جيدًا في عمل الرب؟ وهل هناك إدراك فعلي أن الوقت الذي لا يُستثمر لن يتم تعويضه أبدًا بسهولة!!!!
يُعتبر الوقت أكبر قيمةً وأهميةً من المال، رغم أن معظم الناس يهتمون بالمال أكثر من الوقت، حيث لا يُمكن استعمال الأموال لشراء الكثير والمزيد من الوقت، فأهمية الوقت ترجع إلى ما يلي:
1- الوقت ثروة عظمي: يمتلك كل شخص في هذا الكون يومًا مكونًا من أربع وعشرين ساعة فقط، وتُعد كل دقيقة فيه مهمة ويجب استغلالها لأنها لا يمكن لها أن تعود بعد مضيها، فالشخص الذي حقق الكثير من الانجازات هو الشخص الذي استغل قدرًا كبيرًا من الوقت بالعمل الشاق.
2- الوقت فرصة للانجاز الفعال: وذلك عن طريق محاولة استغلال الوقت والشعور بأن الحياة ذات هدف، لأن قضاء الوقت دون إنتاج يُعد من أكثر الأشياء ازعاجًا واحباطًا.
ثانيًا: نشاط أم خدمة؟
مع مرور الزمن وتسارع عجلة الحياة وعدم وجود تحديد لاهوتي وكتابي عميق لدور الكنيسة، سواء في التنظيم الخاص بالخدمة داخل أسوارها أو مجالات خدمتها للمجتمع المحيط بها، لم يحدث غالبًا أن أدركنا أننا في خطر لأننا استبدلنا مفهوم “الخدمة” بمفهوم دخيل هو “النشاط”. فالخدمة كلمة سامية ومفهوم راقٍ نطق به المسيح نفسه مبينًا الاتضاع والبذل:
مر 10: 45″: لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ”
مر 10: 35-37: “تَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ».”
لقد بحثا عن المكانة وليس الخدمة، وهذا بالضبط ما يحدث عندما نستبدل “مفهوم الخدمة” بمفهوم آخر هو “مفهوم النشاط”، فالنشاط هو بحث دفين عن المكانة، فيرفع مكانة مَنْ يقوم به، فهو يحقق له إشباعًا ذاتيًا عظيمًا. أما الخدمة فتشير إلى ذاك الخادم الأعظم، حيث نختفي نحن ويظهر هو وحده.
وبالطبع لم يحدث هذا في كنيسة اليوم عن تعمد بل عن غياب المعرفة الكتابية والفهم العميق لدور الكنيسة. فنسمع كثيرًا أننا في كنيستنا نقوم بأنشطة كذا وكذا لاستثمار وقت وطاقة الأعضاء. ولا ندري أننا ابتعدنا تمامًا عن الهدف المنوط بالكنيسة تحقيقه. في الواقع، لو تمادينا في هذا لأهدرنا الوقت دون نفع حقيقي. والأمر ليس استبدال كلمة بكلمة بل هو مفهوم لاهوتي عميق – “الخدمة” – قمنا بشطبه ووضعنا بدلًا منه مفهوم “النشاط”، فأضعنا نور الرب ووضعنا أنفسنا في دائرة النور والاهتمام. لذا نجد في” الفيس بوك” عبارات عجيبة مثل: أحلى شباب وأجمل عمل وما إلى ذلك من تعبيرات، وهي تعبيرات جميلة لكن ليس لعمل الله بل يمكن إطلاقها في الشركات والهيئات العالمية والنوادي الرياضية، فبكل تأكيد ليس لها أي مكان أو مجال في كنيسة المسيح. وهذا ليس معناه أبدًا تجاهل مَنْ تعب في عمل الله، لكن يمكن استخدام لغة أفضل وكلمات ذات عمق كتابي مع إعطاء المجد كله للرب.
ثالثًا: حدث معين أم خدمة منتظمة؟
هناك أيضًا أمر آخر خطير وهو تنظيم حدث موسمي بمناسبة الأعياد أو احتفالًا برأس السنة واستقبال عام جديد أو لإنعاش الخدمة، فيتم تنظيم حدث قد نسميه “نهضة” مثلًا، وذلك لأيام محددة ثم تستمر الخدمة بمعدلها العادي. ورغم وجود حماسة روحية جميلة بلا شك إلا أن وجود عمل شهري منتظم ومستمر لا يتوقف يُعد أفضل كثيرًا جدًا، فمثلا يتم تثبيت ليلتين شهريًا لعمل انتعاش حقيقي مما يضمن تحول “الحدث” أو “الأحداث” لخدمة فعالة منتظمة مُحيية لشعب الرب في كنيسة المسيح.
فالانتعاش أو النهضة بالمفهوم الصحيح ليس مجرد حدث بل هو خدمة منتظمة. وهذه الخدمة تنتج باستمراريتها عبر سنوات وسنوات من الانتعاش الفعلي والنهضة المرجوة فتأتي بحق نفوس لتتعرف على الرب وينطبق القول الكتابي: “مسبّحين اللَّه، ولهم نعمة لدى جميع الشعب، وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون” (أع 2: 47).
لقد كانوا ككنيسة أولى جماعة متهللة دائمة التسبيح بسبب ما تمتع به جميع الشعب من نعمة إلهية. كان الشعب في حالة شبع روحي يفيض فرحًا على كل نفس وجدت طريقها إلى الداخل فأصبحت من جماعة شعب الرب وجسد المسيح الحقيقي، فصار التسبيح عنوانًا لافتقاد النعمة للنفوس الضالة. نعم، فلم يكن غريبًا أن يحدث زلزال روحي أصيل وعميق: “وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون”. هذا هو عمل النعمة الإلهية في حياة الشعب المتهلل بالروح الدائم التسبيح.
أخيرًا
أود من كل قلبي ألا يعتبر البعض هذا تزمتًا أو تضييقًا عليهم بل هو محاولة لبعث روح المسيح المقام فينا فننهض بحق لنمجده ونخدم، فلا نقوم بنشاط بل نعمل عملًا دءوبًا مستمرًا ليس موسميًا أو فجائيًا دون ترتيب وهدف. ولإلهنا المجد الدائم. آمين.