هايدي حنا
أهلًا بكم في جولة جديدة داخل حياة طفلك. سنتجول اليوم حول منطقة هامة، حيث سنتوغل بداخل حياة طفل يحتاج لعناية خاصة وطريقة معاملة لا تعكس أنه أقل من غيره؛ سنتجول حول الطفل المتوحد. خلال جولتنا، لن نتطرق للمرض نفسه وكيفية اكتشافه أو علاجه طبيًا، ولكن سيكون اهتمامنا الأكبر بكيفية الاعتناء به وطرق تعليمه بعض المهارات التي يحتاج لها بشكل يومي. استعدوا سنبدأ…
لكي نعرف كيف نتعامل مع الطفل المتوحد من المهم في البداية أن نعرف سماته:
نوبات الغضب:
يعاني الطفل من نوبات غضب متكررة تبدو عند الأهل بدون تبرير لكنها عند الطفل لها سبب، فنوبات الغضب تساعده على التعبير عن مشاعره الداخلية لأنه لا يستطيع التعبير عنها بالكلام، فالطفل الطبيعي عندما يبدأ التواصل بالكلام -على الأغلب في عمر الثلاث سنوات- يبدأ التعبير عن نفسه من خلال الكلمات، لكن قبل أن يتعلم مهارة الكلام نجده يعبِّر عنها بالبكاء والغضب وهذا ما يحدث للطفل المتوحد، فقدراته العقلية ومهاراته في التواصل لا تزال ضعيفة وأقل تطورًا من الطفل الطبيعي. ومن هنا نعرف أن غضب الطفل يعني أنه يريد توصيل رسالة ما لأسرته أساسها مشاعر داخلية لديه لكنه غير قادر على التواصل بالكلام لذا فهو يعبِّر عنها بنوبات الغضب.
كيف يتعامل الأهل مع نوبات الغضب؟
1) تهذيب هذه السمة: على الأهل إدراك أن هذه السمة لن تتوقف طالما لا يستطيع الطفل التعبير عن مشاعره بالكلمات، لذا فالاتجاه يكون كيف يتم تهذيب هذه السمة -وليس التوقف عنها- لتصبح نوبات غضبه غير مؤذية وفي نفس الوقت يستطيع الطفل أن يعبِّر عن مشاعره الداخلية.
2) استغلال مهارة التقليد لديه: أهم سمة لدى الطفل المتوحد هي القدرة على التقليد، وبهذه السمة يتم تعليمه المهارات التي نحتاج منه أن يتعلمها، وفي هذه الحالة على الأهل ملاحظة كيف يعبِّرون عن غضبهم. هل العنف هو سمة التعبير عن الغضب؟ أم يتم التنفيس عنه بالخروج، لعب رياضة….؟ فالطفل يراقب كل ما يحدث ويقلده، وعندها لن تكون نوبات الغضب لديه عنيفة إن كانت نوبات الغضب عن الأهل غير عنيفة.
3) أخذ الطفل لغرفته: في نوبات غضبه، أحيانًا ما يقوم بكسر مقتنيات البيت التي يكون من الصعب على الأسرة شراء غيرها رغم احتياجهم لها، فيكون رد فعلهم عنيفًا معه بسبب هذه الخسارة، وبدون قصد منهم يستخدمون عبارات مؤذية للطفل مثل: “لا أستطيع أن أتحملك أكثر من هذا، أنت غبي،…” وغيرها من الكلمات السلبية مع وجه غاضب فتصل له رسالة مفادها أنه مكروه ومرفوض، فالطفل المتوحد مثلما يعبِّر عن مشاعره بالغضب وليس بالكلام يفهم أيضًا رد فعل الآخر من لغة جسده، ولغة الجسد الغاضبة مع صراخ تعكس للطفل رسالة سلبية. هذا بالإضافة إلى أنه قد تكون تلك المقتنيات مؤذية له لأنها مصنوعة من الزجاج، الفخار… لذا يفضل أن يتم أخذ الطفل لغرفته إن بدأ نوبات غضبه على أن تكون آمنة ويكون ما يستطيع استخدامه لتفريغ شحنة الغضب لديه هو ألعابه فقط، والتي لن تكون مؤذية له إن كسرها ولن يكون من الصعب شراء غيرها. والجدير بالذكر أنه على الأهل خلال هذه الفترة شراء ألعاب رخيصة الثمن وغير مؤذية لطفلهم إن كسرها حتى يتعلم التعبير عن مشاعره بالكلام.
4) عدم المبالغة في التدليل: إن سلوك الطفل المتوحد لا يختلف كثيرًا عن سلوك الطفل الطبيعي إن كان هناك تدليل في التربية حيث يثور ويغضب إن تم رفض طلبه ولا يهدأ إلا عندما ينفذ الأهل طلباته. ونفس الأمر يحدث للطفل المتوحد، فإن بالغت أسرته في تدليله فلن يقبل عدم تلبية رغباته وسيعبِّر عن عدم قبوله بنوبات الغضب حتى يتحقق ما يريد. لذا على الأهل معاملته وتربيته بلا تدليل تحت مبدأ يكفي ما يعاني منه، فهذا مُضر له ولا يفيده، فمن المهم أن تتعامل معه كطفل طبيعي في تلبية احتياجاته وليس كطفل معاق.
5) عدم إهماله: فإهمال الطفل وكأنه غير موجود ومشاعر الرفض التي قد يشعر بها الأهل تجاه هذا الطفل المعاق -بحسب تعبير الأهل- والذي يمثل بالنسبة لهم عبئًا… هذه المشاعر السلبية تصل للطفل المتوحد وخاصةً أن هذا النوع من الأطفال لديه حساسية زائدة لإدراك مشاعر المجتمع نحوه سواء كانت مشاعر محبة أم مشاعر رفض. لذا فإن هذه المشاعر السلبية التي يشعر بها من أسرته تزيده غضبًا من مجتمعه الرافض له خاصةً أنه لا يستطيع أن يعبر كطفل وليس كمعاق عن مشاعره بالكلام فيظهر ذلك في نوبات غضبه. لذلك يجب على الأهل أن يتقبلوه ويحترموا مشاعره ويمنحوه الفرصة لكي ينضم لأنشطة مناسبة له تساعده على التطوير وتنمية شخصيته كطفل طبيعي فهذا يساعده جدًا.
6) عدم الحماية الزائدة: فالخوف عليه والحرص الزائد من الأهل يجعلهم يرفضون أن طفلهم يتعامل مع المجتمع الخارجي بعيدًا عنهم مما يعوق تنمية وتطوير قدراته، حيث إنه من أساسيات تنمية التواصل لدى الطفل التواصل مع أصدقاء خارج إطار أسرته، لكن الشعور بالوحدة ومحدودية الشخصيات التي يتعامل معها وتواجده في مكان مغلق أغلب الأوقات يجعله سريع الغضب وتكون نوبات الغضب لديه كثيرة، أما تواجده مع رفقاء خارج أسرته والاندماج مع المجتمع وأنشطته فيساعدان على تقليل نوبات الغضب. فقط على الأهل في هذه النقطة أن يتأكدوا من الطبيب أو المعالج النفسي للطفل أنه قادر على التواصل مع المجتمع، حيث إن هناك بعض الأطفال الذين يكونون غير مؤهلين نفسيًا للتواصل مع المجتمع والأصدقاء فتكون النتيجة عكسية إن قرر الأهل خروج طفلهم مع أصدقاء أو أقارب وهو غير مؤهل لهذا. أيضًا يُفضَّل أن يكون أحد الأشخاص من الذين سيخرج معهم يشعر الطفل معه بالأمان ليكون قادرًا على الاعتناء به.
7) تأهيل الضيوف الجدد لوجود طفل متوحد في الأسرة: إن الضيوف الجدد، خاصةً إن كان معهم أطفال، عادةً ما يبدو عليهم الخوف من الطفل المتوحد، مما ينعكس على سلوكهم من حيث المتابعة، والابتعاد عنه إن حاول التقرب منهم، والنظر له من حين لآخر بحذر… مما ينعكس على الطفل المتوحد لأنه حساس جدًا لمثل هذه السلوكيات، وقد يعبِّر عن ضيقه من هذه السلوكيات بالغضب نظرًا لأنه غير قادر على التعبير عنها بالكلام. وغضبه ليس على الضيوف لكن بسبب مشاعره الداخلية بالضيق بسبب تلك السلوكيات التي تجعله يشعر أنه مرفوض. مع العلم أنه على الأسرة أن تكون مؤهلة لكل ردود الأفعال بعد تنبيه الضيوف، فهم إما أن يكونوا قادرين على الزيارة بدون ترك أثر سلبي على طفلهم أو يعتذروا خاصةً لو معهم أطفال غير قادرين على التحكم في سلوكياتهم وقد تبدر منهم سلوكيات تُضايق الطفل المتوحد. وفي حالة الرفض، لا يجب على الأسرة أن تشعر بالإهانة وأن هذا رفض موجَّه لها أو لطفلها ولكنه رفض لعدم القدرة على التعامل مع الطفل المتوحد لأنه مختلف، أو لأن الزائرين خافوا عليه من سلوك أطفالهم التي تعكس خوفهم منه من خلال سلوكيات مؤذية للطفل المتوحد… هناك الكثير من الأسباب والمخاوف التي قد تجعل الزائرين يعتذروا، والاعتذار أفضل من زيارة مؤذية نفسيًا لطفلك.
كانت هذه جولتنا الأولى حول سمات الطفل المتوحد ولكنها ليست الأخيرة، فهناك الكثير من المناطق التي تحتاج من الأهل التجول فيها ومعرفتها. استعدوا سننطلق في جولتنا التالية…