25.4 C
Cairo
الثلاثاء, يوليو 8, 2025
الرئيسيةفكر مسيحيالإيمان وعلاقته بالأخلاق

الإيمان وعلاقته بالأخلاق

داني سمارنه

السؤال الذي يطرح نفسه في سياق الارتباط ما بين الإيمان والأخلاق هو: أهي علاقة احتواء أم سلطة أم تقاطع أو تناقض أو توازٍ، أم هي علاقة قبلية أو مصدرية؟ قد يبدو هذا السؤال بديهيًا لبعض الأشخاص، وتجديفًا لبعضهم الآخر، وساذجًا لفريق ثالث.

لكني أطرح هذا السؤال بصراحة مباشرة سعيًا مني إلى تقديم محاولة جادة لفهم تلك العلاقة بينما أعرض معتقداتي وإيماني للامتحان في إطار موضوعي يفحص المسلَّمات، ويراجع المقدمات، ويُسائل الموروثات.

يظل السؤال حاضرًا عن ماهية العلاقة ما بين النص المقدس والخطاب الأخلاقي. لماذا هناك نزعة مستميتة إلى اختزال الأخلاق في إطار النص المقدس؟ وهل النص المقدس الموثق الذي نمتلكه هو الشكل الابتدائي للأخلاق التي أومن بموضوعيتها؟ أم جاء النص مؤكدًا ومفسرًا ومبررًا لتلك الأخلاق في إطار صفات الله الذي يعد الحاكم الأعلى للأخلاق؟ أم جاء النص المقدس مؤكدًا ومفسرًا ومبررًا وجود تلك الأخلاقيات في إطار صفات الله وطبيعته؛ حيث إن الله يُعد الحاكم الأعلى للأخلاق، ما أكسبها موضوعيتها بعيدًا عن أي سياق اعتباطي أو اجتماعي أو ثقافي كما يحاول رافضو الألوهية تبرير وجودها؟

الجلي في الأمر أن هناك ميلًا صريحًا عند المؤمنين بعدم وجود الله لرفض أي ارتباط ما بين النصوص المقدسة والأخلاق.

ورغم أن الحوار دقيق وخطر، لا سيما لدى طرحه بوضوح وشفافية، فإني أعتقد بضرورة نقاشه بجرأة وموضوعية بعيدًا عن الجمود الفكري والأحكام المسبقة.

وأذكر بداية أن العقل الجمعي الروحي تمكَّن باتضاع في الآونة الأخيرة من التوقف عن محاولة إخضاع العلوم للنص المقدس، إذ أن لكل منهما مجاله وخصوصيته على مستوى الهدف والمنهجيات. ولا يعني هذا غياب الاختلاف حول تلك القضايا التي تحتمل معالجات إيمانية ومعالجات علمية على حد سواء، لكن تمايزهما أصبح حقيقة نعاينها في نقاشات بعض كليات اللاهوت وبعض المؤسسات العلمية.

غير أننا لا نستطيع التعاطي مع قضية الأخلاق بالطريقة ذاتها والمنهجية نفسها. فعلاقة النص المقدس بالأخلاق علاقة متداخلة. فنجد أن بعض اللاهوتيين يؤمنون بأن الكتاب المقدس هو مبتدئ الأخلاق، في حين يرى بعضهم الآخر أن الكتاب المقدس ليس مبتدئ الأخلاق، بل هو ضابطها ومبررها، وهو الذي منحها صلاحيتها وشرعيتها في إطار ارتباطها بطبيعة الله وصفاته، وهكذا تحولت من النسبية إلى الموضوعية.

فالإنسان كائن حر عاقل أخلاقي علاقاتي، وهذه هي الصورة التي خُلق عليها، بغض النظر عن الميكانيكيات التي استخدمها الله، فالإنسان مخلوق على صورة الله وشبهه على المستوى الأنطولوجي؛ أي على مستوى الماهية.

وبناءً على هذا، فالإنسان حر، وحريته حرية مدركة وعاقلة. غير أن هذا لا يعني أنها حرية قادرة على العثور على الله أو إدراكه دون معونة إلهية، ولا هي قادرة على افتداء نفس الإنسان بنفسه؛ لأنها حرية تعرَّضت للفساد.

ولابد هنا من فهم الحرية في ثلاثة محاور رئيسة منحها الله للإنسان: حرية الإرادة، وحرية الاختيار، وحرية تحقيق ما يريده ويختار. وقد فقد الإنسان حرية صنع ما يريد وما يختار بابتعاده عن الله في الإطار الوجودي بحسب سفر التكوين. حيث تفقد هذه الحرية، بمحاورها الثلاثة، صلاحيتها إن كانت دون عقل يبررها ويحررها في إطار الفهم والتفكير والوعي والإدراك.

فقط عند هذا يكون للأخلاق منطق في سياق الحرية والعقل يدركها الإنسان الحر العاقل، فتمثل تلك الأخلاق نوعية حياته، وكيفية عيشه، وأيضًا الكيفية التي ينبغي له أن يعيش وفقها.

قبل خوض المزيد في هذا المضمون، أرى من الأنسب التنويه إلى بعض المفاهيم والمضامين الحرجة حول مفهوم الحرية دون الغوص في المضامين الرئيسة والمحورية لقضية الحرية التي تحتاج إلى بحث دقيق مستقل منفصل عما نحن بصدده.

وبدايةً أقول إنه مهما بدت حرية الإنسان قادرة على خلق الكثير من التداعيات الوجودية، واتخاذ قرارات ذات معنى، وخيارات حقيقية معاكسة، فإنها تظل محدودة في مضمونها، ومقيّدة بالكثير من العوامل الداخلية والخارجية.

بعد السقوط الكبير للإنسانية، جرى تفعيل حرية الإنسان لأداء أعمال بر مدني بالنعمة الإلهية؛ لأن الإنسانية بطبيعتها عاجزة عن أداء تلك الأعمال، وتحتاج إلى نعمة لتفعيلها. لذلك وهب الله الإنسان معرفة وقدرة ومساحية كافية ليمارس حريته المحدودة، بخلاف ما يجري ترويجه أنها حرية كاملة دون أي ضوابط.

يقتضي التنويه هنا إلى أنه يمكن تهذيب هذه الحرية في إطار السلوك الإنساني العام من تنشئة وبيئة. وهذا ما يغفله كثيرون في هذا المضمار الشائك. لكن مهما تهذبت بالحكمة الإنسانية، لا يمكنها أن تكون حرية كاملة تمامًا. مع حقيقة تأثيرها الصريح وجوديًا، فهي عاجزة عن إحباط المقاصد النهائية لله مع أنها تملك إمكانية تجاوز مشيئة الله الأخلاقية.

ولنعد الآن إلى مراجعة علاقة الإيمان بالأخلاق. وأعتقد أنه يمكن معاينة ملامح صريحة لعلاقة الإنسان بالأخلاق بالله في محطات زمنية مختلفة منذ فجر التاريخ إلى اليوم. حيث نجد آدم، الإنسان الأول الحر العاقل الأخلاقي المرتبط بعلاقات، وحتى موسى يعيش دون نص مقدس يستند إليه في تشريع أخلاقه وتبريرها. فغياب النص المكتوب لا يعني غياب الأخلاق الوجودية، واضعين في الحسبان أن غياب النص لم يكن مبررًا للإنسان لعدم الطاعة من منطلق الجهل بالقانون الأخلاقي أو التشريع الأخلاقي (Moral code).

لكن المشكلة الحقيقية في هذا السياق هي أن الخطاب الإيماني يرفض التخلي عن امتلاكه الحق في التشريع، وكأنه المالك الشرعي للأخلاق، ولا أخلاق إلا بصورتها الدينية القائمة على أساس النصوص المقدسة، مع رفض أن تكون الأخلاق مدركة قبل توثيق النص المقدس.

أنا أرفض مسألة الفصل بين الأخلاق والنص المقدس، لكن ما أحاول تقديمه في هذه المساحة الفكرية هو أن الوعي الإنساني أدرك الأخلاق قبل أن يعاين النص المقدس، وهذا تضمين صريح يمكن معاينته في إطارات مختلفة. فالنص المقدس لم يبدأ بالأخلاق؛ لأن الإنسان يعاين الأخلاق ويدركها على أساس كونه كائنًا أخلاقيًا بصورته الأنطولوجية. غير أن النص المقدس هو ضابط الأخلاق ومبررها، وهو ما منحها صلاحيتها وشرعيتها بتأكيد ارتباطها بطبيعة الله وصفاته وأسمائه، وبشخص المسيح المعلن في النص المقدس، لتصبح الأخلاق بذلك موضوعية في مضمونها ونعيش بمقتضاها.

ومن المهم التنويه أن الأخلاق ليست الغريزة كما يحاول بعض الأشخاص أن يروِّجوا، كما أنها لا تصف لنا كيفية العيش، لكنها تصف الكيفية التي “ينبغي (ought to)” أن نعيش وفقها، وهذا اختلاف معياري ينبغي ملاحظته في هذا السياق.

إسقاط وجودي أول: زوجة أينشتاين

سُئلت زوجة أينشتاين ذات يوم: “هل تفهمين النظرية النسبية التي وضعها زوجك؟” فكانت إجابتها صادمة تعلَّمت منها الكثير. إذ قالت، وبكل جرأة دون التنصل من ذلك السؤال أو الظهور بمظهر الزوجة العبقرية لذلك العبقري الاستثنائي: “لا، لكني أعرف زوجي، وأعلم أنه يمكن الوثوق به”.

إن هذه فلسفة استثنائية من الحكمة والاستنارة تقدمها زوجة ذلك العالم الفذ.

فما أحاول القيام به في هذا المقال يشبه كثيرًا هذا المشهد الوجودي بكل تعقيداته. فإن كان الله موجودًا بالحقيقة، يترتب على ذلك الكثير من التداعيات الوجودية. فوجوده بالحقيقة يعني ضمنيًا أنه يمكن الوثوق به وبكل تصريحاته، وأن المسيح هو الله الظاهر في الجسد، وأنه صُلب ودُفن ومات وقام في اليوم الثالث، وأنه سيجيء ثانية.

وليس هذا قفزًا في الاستدلال، لكنه امتداد فكري متزن ومتسلسل؛ فالحجج المستخدمة للوصول إلى ضرورة وجود مسبب أول تختلف عن تلك الحجج المستخدمة لإثبات وجود المسيح، وقصة الخلاص المسيحية. فنحن أمام قضيتين مترابطتين، لكن لكل منهما منهجه الخاص المختلف للفحص والتدقيق.

وفي هذا المقال، سنتطرق إلى تلك المنهجيات المختلفة التي تسعى إلى إثبات ضرورة وجود مسبب أول بواسطة حجج ومقدمات متنوعة، وليس إثبات أن الطرح المسيحي هو الطرح الأفضل.

غير أن القضية المحورية هنا التي أحاول التركيز عليها واستدراكها موضوعيًا هي أنه لو كان الله موجودًا حقًا، فهذا يعني الكثير، وله الكثير من التداعيات التي لا يمكن تجاوزها أو المرور بها مرور الكرام في الإطارات الوجودية المختلفة. وبينما أحاول في هذا المقال تضمين عدد من المفاهيم الحرجة، تحضرني كلمات الأديب الروسي دوستويفسكي: “إن لم يكن الله موجودًا، فكل شيء مُباح”.

ورغم أن هذا التصريح ورد في رواية قيلت في سياق خاص لا يجوز تعميمه أو استخدام كلماته في غير سياقها، فإنه تصريح يصلح للتعبير عن المضمون الذي أريده في هذا المقال. فالحياة بوجود الله ليس كالحياة من دونه، ولا أعني أنها “الأفضل”. وإن كنت أؤمن بذلك.

غير أن نوعية الحياة بافتراض وجود الله تختلف عن نوعيتها بعدم وجوده. فوجوده يعني ضمنًا رؤية الحياة من منظور آخر على مستوى الأصل والهوية والأخلاق والمصير والقيمة والغاية والمعنى. فالحياة مع الله أو بوجوده تختلف عن الحياة من دونه، أو بافتراض عدم وجوده.

 إسقاط وجودي ثانٍ: جعلناهم لا يؤمنون

 لقد أسهم كثير من المؤمنين بالألوهية، بطريقة أو بأخرى، في جعل من لا يؤمنون أكثر يقينًا في موقفهم تجاه الله بصورته التي روّجناها باستمرار، سواء كنا على وعي بذلك أم لم نكن واعين به. فنوعية حياتنا لا تجعل من يرفضون وجود الله يتساءلون عن هذا الإله، أو عن ضرورة وجوده في الحياة.

ولا أتحدث هنا بشأن الحياة الأخلاقية بأبعادها الوجودية، وإن كان لها تأثير عميق في التحول الحقيقي في المجتمعات الإنسانية نحو الله، بل أتحدث بشأن نوعية الحياة في مضمونها ومدى عمقها وقوتها وأصالتها وحيويتها وتأثيرها وامتداداتها وثمرها، في مقابل حياة هامشية متناقضة يعيشها كثيرون ممن يؤمنون بوجود الله.

وهكذا، فإن نوعية حياتنا، نحن المؤمنين بوجود الله، لم تجعلهم يترددون في استكمال حياتهم كما كانوا دون إله شخصي أخلاقي؛ لأنهم لم يلاحظوا فرقًا بين حياتهم، التي تخلو من الألوهية، وحياتنا التي ندَّعي فيها التسليم الكامل للألوهية.

كثيرًا ما جعلنا، نحن المؤمنين بالألوهية، الله، أو صورته النوعية، في حياتنا مجرد صورة لساحر عجوز وغامض ومحتجب بعيدًا في مكان لا نعرفه. والمؤكد أن هذه الصورة النمطية الزائفة لا تجتذب الناس إلى الله، بل هي صورة تجعل من يرفض وجود الألوهية يشعر بالاطمئنان أكثر كلما تفكَّر في تلك الصورة المروَّجة، والتي نعيش وفق تفاصيلها.

لقد اكتشف فلاسفة كثيرون تلك الصورة الهشة التي قدَّمها الخطاب المسيحي الشعبي، فتمسكوا بها وانتقدوها، فأصابوا من منهجية الإيمان ما أصابوا، مؤكدين أن تلك الصورة للألوهية التي ننادي بها هي ليست صورة جديرة بالثقة والاحترام.

ومن هؤلاء الفلاسفة والعلماء فويرباخ وماركس وفرويد وسارتر ونيتشه وكامو في عصور سابقة، وأمثالهم كدانييل دانيت وسام هاريس وريتشارد دوكنز والراحل كريستوفر هيتشنز في العصر الحديث. فصورة الله الحقيقية تختلف تمامًا عن تلك الصورة المزيفة التي يتناقلها العقل الجمعي الشعبي، ويجري انتقادها في سياقات عدة.

لذلك يحتاج ما ورثناه في هذا السياق إلى مراجعة ناضجة ومعالجة موضوعية، وصولًا إلى صورة الله الحقيقي، وليس صورة الله الذي نريد، أو صورة الله كما قدَّمها المجتمع والثقافة المحيطة.

إسقاط وجودي ثالث: الله والإنسان عند فويرباخ

تعد النرجسية في الأوساط النفسية حالة نفسية معقدة، مضمونها الأساسي هو حب النفس حبًا مرضيًا شديدًا. ويعود أصل النرجسية إلى أسطورة يونانية ورد فيها أن نرسيسوس كان آية في الجمال، وقد عشق نفسه حتى الموت، حيث إنه مات عندما رأى انعكاس صورته على صفحة الماء، فتعلق حتى الموت بتلك الصورة ظانًا أنها كائن آخر رائع الجمال، ولم يدرك أنها صورته هو.

وعلى المستوى ذاته، لكن مع اختلاف في التفاصيل، يحسب فويرباخ أن الموضوع الأساسي والحقيقي للإنسانية هو الإنسان؛ فالإنسان يعيش حياته بحثًا عن نفسه في داخل نفسه، وهكذا يعيش وهكذا يموت.

وحسب فويرباخ أن وعي الإنسان حول الله هو الوعي الذي يمتلكه حول ذاته في الإنسان الباطن. ومعرفة الإنسان لذلك الكائن المتسامي والمتعالي هي ليست سوى معرفة الإنسان لذاته، أو محاولة معرفته لها. ويعني هذا أن الإنسان يحكم على الله بواسطة نفسه. وليس الله سوى إسقاط لوعي الإنسان عن نفسه.

يرى فويرباخ أن الله هو انعكاس للإنسان، أو لصورة الإنسان عن نفسه، أو هو الصورة التي يتمنى أن يرى فيها نفسه. وأي تساؤل حول جوهر الله هو مجرد تساؤل حول جوهر الإنسان لنفسه. فكل الصور الإلهية، أو تصوراتنا عن طبيعة الله، قائمة على صورة سيكولوجية عن أنفسنا بطريقة ما.

والله عند فويرباخ مجرد فكرة، وليست هذه الفكرة سوى تأويل للحياة الإنسانية الوجودية، وهو يرى أن اللاهوت هو تأليه للطبيعة، كما أن الدين عنده هو طريقة الإنسان للارتباط بذاته. أي أن الله هو ماهية جوهر الإنسانية، مُسقطًا على الذات الوجودية من الخارج.

وبهذا أصبحت صفات الإنسان الأنطولوجية، كالمعرفة والإرادة والقدرة والحرية والذكاء والوعي، هي صفات الله الجوهرية، لكن في مستواها المتسامي الفائق مقارنة بمستواها المعياري الوجودي الإنساني. ويعني هذا أن الإنسان يتمتع بالقدرة، لكن الله أكثر اقتدارًا، ويتمتع بالمعرفة، لكن الله أكثر معرفة. وبهذا فإن كل شيء فينا يكون في الله لكن بمستوى أكبر. وهكذا يُصبح الله كليّ الصفات وعظيم الصفات ومتناهي الصفات في الوقت نفسه. وتصبح صفاته المؤنسنة صفات فائقة للإنسانية وفائقة للطبيعة، ويرى فويرباخ أن هذا تجسيد للنزعة التشبيهية، وهي محاولة إعطاء الله صفات الإنسان بدرجات متسامية، ثم تنزيهه تنزيهًا مطلقًا لنرفع من شأنه إلى مقام أعلى، فينفصل عن الإنسان الذي استعار منه صفاته الجوهرية كما أسلفنا. فكان انتقاد فويرباخ لصفات الله انتقادًا شديدًا لأنه يرى في ذلك انتحارًا للإنسان في ذاته.

وبفعل فلسفة فويرباخ المنشورة في جيله، صار الإنسان خاضعًا لما هو فوقه. ورغم أن الإنسان هو من خلق ما فوقه، فقد صار الإله المصنوع يسمو على الإنسان الصانع. ويعتقد فويرباخ أن الإنسان خلق الله على صورته، وليس العكس. فأنكر في كل أعماله ماهية الإله، وليس الوجود الإلهي، أي أنه لم ينكر وجود الله، لكنه أنكر ماهيته، مدَّعيًا أنها من صنع الإنسان.

وأقول هنا إن استعراضي لفلسفة فويرباخ لم يكن من قبيل الترف الفكري في السرد الفلسفي لتصورات فويرباخ، بل هو استعراض موضوعي لأفكاره التي أحسبها من أهم التصريحات المناهضة لوجود الله، أكثرها تماسكًا على مستوى الانتقاد.

فهل نحن حقًا من خلقنا الله في أذهاننا بحثًا عن ذاتنا؟ هل أسقطنا رغباتنا المطلقة في التسامي في شخصية خيالية من اختراعنا تجسيدًا لرغبتنا الدفينة العميقة الساعية إلى التأليه، ولتلك النزعة النرجسية الباحثة عن الألوهية؟

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا