19.4 C
Cairo
السبت, أبريل 20, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيالإله يغسل أرجلنا

الإله يغسل أرجلنا

كريستيان جيفارا

أعرف أنكم لا تعرفون غير المـُتكبر المتجبر الغاضب،

ولا تغمض عيونكم برهبة إلا أمام العيون الحمراء التي تطلق الشرر،

ولا تحترمون إلا من يُمسك في يديه الكريمتين عصا غليظة وسوطًا جهنميًا.

أعرف أنكم تحبون الخضوع للديكتاتور العادل بكل يُسر وسهولة عبد.

أعرف أنكم من هواة الانبهار بكل مَنْ يتبختر على سجادة حمراء طولها ميل أو مفروشة من الأرض للسماء، ويتربع كالخرتيت في الصف الأول وعلى عرشه الذهبي المرصع بدموعنا وبتأوهات الثكلى.

أعرف أن إعجاز عامود النار يُسمركم في مخافة الليل المرعب

وعصا تشق النهر نصفين تُصيبكم بصرع السجود على وجوهكم

ومَن وسلوى السماء يصيبان جوعكم بتخمة الشحاذين بالسليقة.

وأعرف أن العيان ضد الإيمان

وأن الجاهل لا يثق إلا في حواسه الخمس

عندما يلمس آثار المسامير يؤمن

عندما يرى المشي على الماء يؤمن

عندما يأكل خمس خبزات وسمكتين يؤمن

الجاهل -كما قالوا قديمًا وحديثًا- في قلبه ليس إله (مز 14: 1)

ولكن في حواسه مليون إله

الجاهل لا يؤمن إلا بكل ما هو ملموس

يكفر وأنت تصرخ على الصليب غير قادر أن تخلص نفسك من وجهة نظره السطحية جدًا

ويتركك عندما لا تمسك بالخبز أيها المعلم

يـُغـيِّر محراب قلبه لأنك لم تصنع معه معجزة واحدة

يـُضيء الشمع لصنمه.. لأوثانه لأنك محتجب كأكسير الحياة

لا يدرك كل ما هو معنى

كل ما هو عمق

كل ما هو روح

كل ما هو جوهر

ولا يفقه في التجريد ويغرق في بحر اللاهوت

يتعثر عندما يرى الإله متجسدًا

أحادي الوعي لا شريك له .. يتعرقل أمام ثراء التعدد

يتوه منك ويضل في دوامات أمواج بحر العشق الإلهي..

يضل في أطياف عهد قوس قزح

لا يعرف كيف يمسك باللحظة الممجدة

وكيف يستقبل راداره الوعد بهبوب ريح عاصفة له (أع 2: 2) ولكل الذين على بـُعد.

يتخبط في “في البدء كان الكلمة” (يو 1: 1)

يتلعثم عندما يكرر أنك في الآب والآب فيك (يو14: 10)

يـُصاب قلبه بالذبحة عندما يعلم أنك أحببتنا وبذلت نفسك لأجلنا (يو3: 16)

يقبل ويستسهل ويستوعب اختطافك قبل الصليب عن قيامتك في اليوم الثالث

القطيع على مر التاريخ لم يقدر على تحمل العمق

لم يقدر على نير الحرية

لم يشك ولم يبحث ولم يسبح عكس الأمواج ولم يعرق من أجل الدخول لقدس أقداس الحقيقة

القطيع اختار الفتات الذي لا يُشبِع

اختار الحرف الذي يقتـُل

اختار الخرافات عن أسباب النزول وأسباب الصعود

اختار الأخرويات -الجنة والنار- عن كل ما هو وجودي عن كل ما هو آني

باع الحياة الأفضل بأرخص الأثمان

بأثمان حتى لم يقبض عليها بيديه الفانيتين

القطيع يُشيطن شرور الحياة لكي يحاربها حربه لطواحين الهواء

ويجعل كل حياته مرسومة بمشيئة الآلهة لكي لا يجتهد ولا يبدع ولا يزرع ما سيحصده

ماذا يفعل الترابي أمام جبروت القدر غير التواكل والخنوع؟!

أيها القطيع، نحن لسنا عرائس على مسرح الكرة الأرضية!

نحن لسنا قطع شطرنج في يد لوسيفر أو يد الإله!

نحن لذته ومخلوقون على صورته.

القطيع لا يحترف غير العبودية

ولا يدرك جاذبية التبني للقطاء الهاوية

ولا مخاض أحشاء التحنن في طوفان وأوجاع حياتنا اليومية

يقدِّس العين بالعين والحقد بالحقد والقبر بالقبر

ويضيِّع عمره وهو يلملم حجارة رجمه ورجم الآخر

وهو يُحمي آتونه ويضفر إكليل شوكه ويزرع شجيرات جنة شهوته

القطيع لا يفهم ماذا تقصد عندما تعده بما لا يخطر على قلب إنسان (1كو2: 9)

عندما تـُلـوِّح له بما لا عين رأت

عندما تطلب منه لهفة لكل ما لا تسمعه آذان

إذا قلت هذه الكلمات للقطيع لن يتبعك

لن يحمل صليبك خطوتين من ألف ميل حلمك

القطيع عبيد يحتاجون للمراقبة ليل نهار

والتجسس من ملائكة السماء ومن العسس

لن يطيع دون مراقبة

ولن يسجد دون أمر

ولن يخنع دون قهر

ففروض الولاء والطاعة إن لم تحاصره سيفر من بين يديها ومن خلفها

يقدم السبت لأنك لألأت له الأحد

لا يدرك معنى الحب غير المشروط

ولا يفهم مجانية العطاء

ولا الفقر الاختياري ولا أثرياء الجوهر

القطيع لا يسمع تمتمات الروح

لا يرى رؤى القدير

لا يتكلم بألسنة الأطفال والملائكة (1كو13: 1)

القطيع تعبـر عليه عبور الأبرع جمالًا ولا يرمش له جفن

فالكفيف حتى الشمس لا تدق باب عينيه

والمائت ماذا تفعل لخصلات شعره هبوب ريح عاصفة؟

هل أدركتم الآن عندما تجسد الإله لماذا اختار أن يولد في مزود؟

لماذا تمخضت به أحشاء العذراء؟

لماذا لم يشابه الآلهة المخلوقة بأيدي بشرية على صورتنا كشبهنا؟

هل تحسستم ملامح الله محبة في وجه المسيح حيث كمال الحـب الإلهي؟

فإن الموتى لن يدركوا الفرق.. ولن تصل أنامل أرواحهم إلى هدب العمق

      لن يكتشفوا المسكوت عنه.. ولن يزيحوا النقاب عن الكنز المخبأة فيه كنوز الحكمة والمعرفة (إش2: 3).

ولكن هو اختار المزود

اختار قدس أقداس الخفاء

وكمال الاحتجاب.. اختار غسل أرجلنا

اختار الصف الأخير

الذي في شبه الناس (في 2: 7) لا يحمل ضوضاء الآلهة الترابية المخلوقة على صورتنا

الذي نزل من السماء، ليس الذي نحاول أن نرفعه على الأكتاف ونُجلِسه على عرش لا يستحقه

ونجعل كلماته المسمومة وحيًا ينهش الأخضر فينا والحالم منا

لا مثل لك يا مسيحنا

مهما حاول الزيف لن يقدر أن يقلد الإله الحقيقي

لن يقدر أن يقول كلمة تشفي بحق

لن يقدر أن يحل عُقد النير ويكسر أغلال الجوهر مثلك

يطلق المأسورين أحرارًا بحق (إش 58: 6)

لن يقدر أن يجعل الحياة أجمل.. أفضل.. أقدس

كيف يقدر أن يقلد الله محبة؟!

يرسب وسيرسب في امتحان الخداع والتضليل والتزييف

لأن لوسيفر لا يقدر أن يُمثِّل دور المسيح

يقدر لوسيفر أن يجدف على المسيح ليل نهار

أن يصنع جيشًا من الموتى ليحاربوا الحياة

أن يفخخ الملح بطعم العدم

وأن يحاصر النور ويهمشه في ركن ضيق أو في زنزانة صدئة

فروح ضد المسيح يعمل وسيظل يعمل ولكنه لن ينتصر

كل يوم يخسر شاول جديد، وكل لحظة نكسب بولس جديد

فهذا زمن الحب لموتانا، لأنسبائنا، لوجهنا الآخر

زمن الحب لنا وحريتنا اليوم

وفـُلك خلاصنا قد رسا على شواطئنا أخيرًا

إن اعتقدنا أن الله كائن في الجزء العلوي من العالم

فستكون الطيور أفضل منا لأنها تحيا بالقرب منه

غير أنه لم يُكتب أن الرب قريب من طوال القامة أو سكان الجبال

بل قريب هو الرب من منسحقي القلوب

القديس أغسطينوس

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا