هايدي حنا
كثيرًا ما يشاركني الآباء والأمهات أن طفلهم المراهق لا يثق في نفسه، ويسألون عن سبب اهتزاز ثقته بنفسه وكيفية التعامل معه. في البداية، دعونا نتعرف على أسباب تعرض المراهق لأزمة اهتزاز ثقته بنفسه، وذلك كي نعالج تلك الأسباب ونساعد المراهق على أن يعزز ثقته بنفسه:
1) استهانة الأهل به وبرأيه، حيث يتعامل معه الأهل على أنه طفل ورأيه لا قيمة له، وكأنه لم يتكلم أو يشارك بالرأي. وبعض الآباء والأمهات لا يكتفون بالتجاهل لكن يسخرون منه ومن رأيه ويرون أن ما يقوله من رأي لا علاقة له بالواقع وغير منطقي وهايف وساذج ووو…. ومن هنا يشارك الأهل في ازدياد تلك الأزمة بداخله من الشعور بعدم الثقة.
2) عدم الإيمان به وبقدراته وإمكانياته، خاصةً عندما يكون ذكاؤه بعيدًا عن الذكاء الأكاديمي، حيث إن تقييم الذكاء لديهم يقتصر على الذكاء الأكاديمي، لذا لو أن ذكاء طفلهم المراهق ليس في مجال الدراسة يعتبره الأهل فاشلًا مما يجعله معرضًا للتعنيف اللفظي من والديه بكلمات سلبية تساهم بشكل أساسي باهتزاز ثقته بنفسه. هذا من جانب، ومن جانب آخر عند رفضه تحقيق أحلام والديه راغبًا في تحقيق أحلامه هو يكون نصيبه التحقير من أحلامه، حيث إن بعض الأهالي يجبرون أطفالهم أن يحققوا لهم أحلامهم التي لم يستطيعوا هم أن يحققوها، وإن رفض الطفل يكون نصيبه التوبيخ والإهانة والتقليل من إمكانياته وقدراته و.. و.. و… مما يزيد من اهتزاز ثقته بنفسه بسبب تلك الكلمات السلبية التي يسمعها من والديه.
3) التعرض للتنمر، سواء كان هذا التنمر نفسيًا من سخرية، كلمات سلبية، نقد لاذع… أو عنفًا جسديًا وهو الضرب، وذلك سواء كان هذا من أقرانه أو أساتذته أو الأهل، في الوقت الذي يكون غير قادر على الدفاع عن نفسه إما لأن المتنمر أقوى منه في البنية الجسدية أو لأن المتنمر صاحب سلطة عليه لذا يكون غير قادر على الدفاع عن نفسه مما يجعله يشعر بالنقص ويزيد من اهتزاز ثقته بنفسه.
بعد أن عرفنا الأسباب التي تساهم في تعرض المراهق لأزمة الثقة، كيف نتعامل مع تلك الأسباب لمساعدة المراهق على تخطي أزمة الثقة بالنفس؟
إن المراهق يحتاج لكلمات مدح وتشجيع كي يشعر بالثقة بالنفس أكثر من أي فئة عمرية أخرى، وذلك لأسباب خاصة بالتغييرات الجسدية التي تجعله لا يقبل نفسه والبعض منهم يكرهون شكلهم، حيث إن الأطراف تنمو أسرع من الجسد فتصبح أنفه كبيرة عن باقي أعضاء الوجه فيكون شكلها منفرًا وتشوه شكله، كذلك لو أن بشرته دهنية سيؤدي هذا لانتشار البثور في وجهه بالإضافة للملمس الدهني الذي سيعاني منه سواء في شعره أو وجهه، هذا بجانب شكل جسده الذي قد لا يعجبه لو كان نحيفًا أو سمينًا، أملسًا أو مشعرًا بصورة زائدة… كل هذا يجعل شعور عدم الثقة بالنفس يزداد. وبدلًا من أن يجد التشجيع من والديه، يجد الاستهانة به وبرأيه وقدراته وتعنيفه بالكلام والضرب كما سبق وأشرتُ، فتزداد بداخله تشويه صورته عن نفسه واهتزاز شخصيته وثقته بنفسه. ولكي يساعده والداه على تعزيز ثقته بنفسه عليهم القيام بما يلي:
1) فهم سيكولوﭼـيته والتعامل معه بحسب ما يتناسب مع طبيعته كمراهق، حتى وإن تطلب هذا تغيير سياستهم في أسلوب التربية، فهو لم يصبح طفلًا بل هو في طريقه بأن يكون رجلًا/امرأة، لذا يجب إعادة النظر في طريقة التعامل معه وذلك من خلال دراسة مرحلته العمرية وكيفية طرق التعامل معه.
2) منع استخدام العنف معه واستخدام لغة الحوار عوضًا عنها، فالعنف لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة بل على العكس يزيد من السلوكيات السلبية عند المراهق وذلك بسبب طبيعته الرافضة للسلطة بالإضافة لإحساسه بالنقص بسبب تلك الكلمات السلبية، حتى وإن لم يظهر هذا لهم، لكن على الأهل التأكد أن كلماتهم السلبية لها تأثير سلبي على شخصيته وثقته بنفسه.
3) استخدام كلمات مدح كثيرة معه، فعلى الوالدين مدح طفلتهما المراهقة بشكلها الجميل وذوقها في اختيار الملابس والألوان و.. و.. و..، ومدح طفلهما المراهق بسلوكياته التي تعكس كونه رجلًا يمكن الاعتماد عليه. والجدير بالذكر أنه يجب أن يكثر الوالدان من تلك الكلمات الإيجابية وذلك لتعزيز ثقة طفلهم المراهق/ة في نفسه/ا.
4) احترام الوالدين لأحلامه وعدم إجباره على تحقيق أحلامهما، فهو إنسان مختلف عنهما ولا يجب المحاولة أن يجعلاه نسخة منهما بالإجبار، بل عليهما تشجيعه على تحقيق أحلامه.
5) مساعدته على اكتشاف موهبته إن كان غير قادر على اكتشافها وذلك لمساعدته على أن يطورها ويشعر بقيمته، فالشخص الذي يعرف موهبته ويعمل على تطويرها ويستخدمها في الحياة يشعر بأن له قيمة لأنه ناجح ومميز ومتفرد بموهبته مما يجعله يثق في نفسه.
6) الابتعاد عن المقارنات بأقرانه، فالمقارنة تجعله يشعر أنه أقل من غيره مما يزيد بداخله الشعور بالدونية والنقص والتعرض لأزمة الثقة بنفسه.
7) توقف الوالدين على التركيز عند الذكاء الأكاديمي وتجاهل باقي أنواع الذكاءات لكن يجب اكتشاف نوعية ذكاء طفلهما المراهق بل والافتخار بها وتشجيعه على استخدامه مما يجعله يشعر بقيمته ويساعده على عدم التعرض لأزمة الثقة بنفسه.
8) الأخذ برأيه في الحوارات، فالمراهق يحب الشعور بأن والديه يتعاملان معه كراشد وليس كطفل، وكلما استهان الأهل برأيه وتعاملوا معه على أنه طفل تسبب هذا في اهتزاز ثقته بنفسه. بعض الأهالي يقومون بذلك كي لا يضغطوا على طفلهم المراهق بأن يشاركوه الضغوط التي يواجهوها، وما لا يعرفه الأهل أن المراهق يعرف كل شيء مهما حاول الوالدان إخفاء الأمر، لذا هذا ليس تبريرًا لكي لا يشاركاه بالأمر ويعرفا رأيه. والجدير بالذكر أن الوالدين يدربان طفلهما المراهق على تحمل المسئولية من خلال تلك الحوارات والآراء التي يشارك بها والديه عند مواجهة مشكلة ما وهذا هام لتعزيز ثقته بنفسه كونه قد كبر وأصبح رأيه هام عند والديه. وإن شعر الأهل أن رأيه غير مناسب لا يجب أن يسخروا منه بل عليهم أن يمدحوا رأيه في البداية بأن يشاركوه إيجابياته ثم يحاولوا مناقشته أكثر وذلك بالسؤال عن النقاط غير المفهومة. أيضًا من الممكن مدح رأيه مع إضافة بعض النقاط له. والجدير بالذكر أن المقصود بالضغوط أو مناقشة أمر ما هنا هو ما يخص الأسرة كلها وليس ما يخص الزوجين فقط.
9) لو كان المراهق ضعيف البنية من الممكن أن يشترك في رياضة من أنواع الكارتيه، الجودو ، الخ… تلك الأنواع التي تجعله قادرًا على الدفاع عن نفسه بدون استخدام العنف مع الآخر.
10) إن كان يتعرض لتعنيف وتنمر من أساتذته على الأهل أن يساندوا طفلهم المراهق بأن يعرفوا السبب في هذا وذلك بالتكلم مع الأستاذ الذي يعنف طفلهم لمعرفة السبب وعلاجه. أما إذا كان يتعرض للظلم عليهم مساندته والتكلم مع مسئول المدرسة للحد من هذا التعنيف الذي يتعرض له ظلمًا.
مما سبق، نجد أن ثقة المراهق بنفسه أو استعادة المراهق لثقته بنفسه وتخطي تلك الأزمة متوقفة على طريقة تعامل الأهل معه وعلى تشجيعهم له ومساندتهم … لذا لا تبخلوا على طفلكم المراهق بدعمكم النفسي له كي يتخطى تلك الأزمة دون أي أثر سلبي عليه.