في سابقة الأولى من نوعها:
«رفعت عيني للسماء».. فتيات البرشا في المنيا يحصدون جائزة العين الذهبية بـمهرجان كان الدولي
الفيلم يرصد تمرد الفتاة الصعيدية على الموروث والتقاليد الصارمة التي تفرض على البنات
سطر الفيلم المصري “رفعت عيني للسماء” اسمه بحروف من ذهب في تاريخ السينما المصرية، بعد فوزه بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم تسجيلي في مهرجان “كان” السينمائي الدولي بدورته الـ 77، ليصبح أول فيلم مصري يحظى بهذا الشرف العظيم.
يتناول الفيلم رحلة كفاح فتيات فرقة “بانوراما البرشا” المسرحية في قرية البرشا بمحافظة المنيا، حيث يواجهن تحديات اجتماعية وثقافية في صعيد مصر، ويتحدين الأعراف والتقاليد السائدة سعيًا وراء أحلامهن وطموحاتهن.
الفريق الذي حصد جائزة كان الدولية
يُجسّد الفيلم بطولات كل من: ماجدة مسعود، هايدي سامح، مونيكا يوسف، يوستينا سمير، مارينا سمير، ليديا هارون ومريم نصار، تحت إخراج الزوجين المبدعين أيمن الأمير وندى رياض.
استغرق تصوير الفيلم أربع سنوات، ليكشف عن معاناة الفتيات في الريف المصري، وكفاحهن من أجل التعليم والتحرر من قيود المجتمع، وتحقيق أحلامهن في مجال المسرح.
يُعدّ هذا الإنجاز استمرارًا لتألق قرية البرشا، التي سبق وأن أهدت السينما المصرية نجمة بارزة هي الممثلة دميانة نصار، والتي حصدت جائزة أفضل ممثلة من أسبوع النقاد في مهرجان كان عام 2021 عن فيلمها “ريش”. مشاركة مريم نصار، شقيقة دميانة، في بطولة “رفعت عيني للسماء” تُضفي على الفيلم نكهة خاصة، وتُجسّد إرثًا عائليًا فريدًا في عالم التمثيل والإبداع.
“رفعت عيني للسماء” ليس مجرد فيلم، بل هو رسالة أمل وتحدٍّ للفتيات في كل مكان، يدعوهن إلى الإيمان بقدراتهن ومواجهة الصعاب لتحقيق أحلامهن.
هذا الإنجاز العظيم يُثبت قدرة السينما المصرية على طرح قضايا اجتماعية هامة، وإيصال صوتها للعالم، ويُؤكّد على موهبة صانعي الأفلام المصريين وإبداعهم.
ويذكر أنه قد ترشح للجائزة 22 فيلم تسجيلي عرضت في كافة أقسام وبرامج مهرجان “كان”، من بينها أعمال لمخرجين كبار كأوليفر ستون ورون هوارد وكلير سيمون.
وكان الفيلم قد حاز على استقبال حافل في عرضه العالمي الأول بمسابقة أسبوع النقاد بمهرجان “كان”، بحضور المخرجين وفريق العمل وبطلات الفيلم من فريق بانوراما برشا، كما حصل على إشادات نقدية محلية وعربية وعالمية حيث كتبت عن الفيلم كبريات الصحف العالمية منها اللوموند وفرايتي وسكرين دايلي.
وتدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الفتيات اللاتي يقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي، بشوارع قريتهن الصغيرة لتسليط الضوء على القضايا التي تؤرقهن كالزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، بينما يمتلكن أحلامًا تفوق حد السماء. وقد استضافت قرية البرشا في محافظة المنيا فريق عمل الفيلم على مدار العديد من الأعوام.
فقد نجح المخرجان كثيرًا في رصد لحظات حميمية بسيطة، تتدفق من تلك الحوارات أو المواجهات والمشاجرات الصغيرة، وتصنع كل ذلك التراكم الدرامي في فيلم وثائقي يتميز بأنه يخلص لدور السينما الأساسي، أي رواية قصة مترابطة الأطراف، تثير الاهتمام بشخصياتها المتعددة وأجوائها الريفية المميزة، مع وحدة الموضوع والبُعد عن النمطية.
وكان المخرجان قد وجدا بطلات الفيلم في قرية البرشا بمركز ملوي في محافظة المنيا، وهن فتيات يجسدن بشكل عام وقوي تمرد الفتاة الصعيدية عمومًا -سواء كانت مسلمة أو مسيحية- على الموروث والتقاليد الصارمة التي تفرض على البنات البقاء في داخل المنزل، والاكتفاء بالوظيفة التقليدية للمرأة، أي الزواج والإنجاب.
غالبية مشاهد الفيلم تمت خارج المنازل، في الحقول والشوارع والحارات الضيقة التي توحي بالفقر، ومع ذلك فإن الطبيعة التي تتجلى في الحقول وعلى شاطئ النيل ساحرة، تقطع مسار الفيلم بين وقت وآخر، لتصنع مساحة من التأمل.
وكان شريط الصوت رائعًا يميز الفيلم، فلا يبدو مفروضًا على البيئة والمكان، بل يتسق مع تلك الطبيعة السرمدية الممتدة منذ عشرات القرون. لا شيء يتغير كثيرًا في حياة الناس، لكن هؤلاء الفتيات قررن تغيير أنفسهن، وتوجيه صرخة من أجل تغيير الواقع أيضًا.
في الفيلم مشاهد للجوء الفتيات إلى الكنيسة، لا سيما ماجدة، فربما كانت تبحث عن نوع من اليقين يشحذ همتها للمضي فيما أرادته لنفسها، وهي تتوقف أمام المذبح وتصلي وتبتهل، ولكننا نشعر أيضا بثقل الموروث الديني الذي يفرض سطوته على اختيارات الفتيات.
وفي لحظات أخرى، ترصد الكاميرا لقطات لنساء منتقبات من وراء النوافذ، أو تتوقف الكاميرا عند امرأة منتقبة تعبر سريعًا على العرض المسرحي في الشارع، وتشير بيدها إشارة رفض واستهجان، ثم يتبدى لنا منظر قط يعتلي السور، أو يتطلع نحونا من وراء كوة في السور. والحضور الحي للشارع محسوس بقوة في الفيلم عمومًا، ومظاهر العيش ظاهرة، وتجمع مختلف الفئات.
(رفعت عيني للسما) من إنتاج شركة فلوكة فيلمز، المنتج المنفذ محمد خالد، مساعدات الإخراج هاميس البلشي وضحي حمدي، مديرو التصوير دينا الزنيني وأحمد إسماعيل وأيمن الأمير، تسجيل الصوت مصطفي شعبان وسامح نبيل وأسامة جبيل وشدوي علي، موسيقى تصويرية أحمد الصاوي، مونتاج فيرونيك لاجوارد وأحمد مجدي مرسي وأيمن الأمير وندي رياض.